الصدى في وسائل الاعلام

بيت الأنباط: الثقة تطوي ثأر الخصوم
الغد 27/7/ 2008 
د.مهند مبيضين
 
لا يقدر المعرفة إلا من عاينها، ولا يقدم على البذل إلا الأسوياء، ممن ينظرون إلى انجاز الآخرين على أنه جهد متكامل، خاصة حين يكون الأمر ذا صلة بالهم المشترك وهو المعرفة. ذلك ما حدث مع بيت الأنباط في البتراء في تنظيمه لملتقى أجيال علماء الاجتماع العرب بالاشتراك مع الجمعية العربية لعلماء الاجتماع العرب.

الملتقى انعقد في عمان والبتراء، وشارك به خمسة وعشرون باحثا، قضوا أيامهم البحثية مع ثمانية أساتذة من خيرة الجامعات العربية في حقل دراسات علم الاجتماع. الطلبة الأردنيون كانوا أكثر المستفيدين من الملتقى فبعضهم عدّل مشروعه البحثي لدرجة الماجستير أو الدكتوراه وبعضهم غيّره كليا، وبعضهم أضاف إليه. فاختزلوا سنوات من التيه في دروب البحث ليذهبوا نحو موضوعات ذات صلة بالواقع العربي المعاصر.

لم يكن هناك حاجة كبيرة للمال، كما يحدث في مؤتمرات العلاقات العامة في بعض الجامعات، أو المراكز البحثية، فهذا هو المؤتمر العلمي السادس الذي تنظمه الهيئة العربية للثقافة والتواصل الحضاري "بيت الأنباط"، إلى جانب العديد من سلسلة الندوات العلمية، كنا بحاجة للروح العلمية التي تتفهم معنى انعقاد الملتقى الثامن عشر لأجيال علماء الاجتماع العرب في الأردن بعد أن تنافست دول خليجية على تنظيمه، بحسب ما أفاد الرئيس الشرفي لأجيال علماء الاجتماع العرب، الطاهر لبيب.

المؤسسات المدركة الواعية، هي وقياداتها، لأهمية الملتقى، قدّمت لنا دعما في حدود الشفافية الكاملة التي تعاملنا بها معهم. كان بيت الأنباط واضحا فقد اظهر العجز المالي لديه، وبين حاجاته اللوجستية، فكان للجامعة الأردنية ومؤسسة شومان وأمانة عمان وجامعة فيلادلفيا والبنك الأهلي ووزارة الثقافة والمجلس الأعلى للشباب والشيخ فواز الأصفر شيخ مشايخ بني عطية وأهالي وادي موسى والجوردن تورز، الفضل الكبير.

مؤسسات أخرى كانت عاجزة كل العجز، لكن عجزها ليس في قدراتها بل في نظرة قياداتها، التي لا ترى أبعد من باب سكرتيرة المدير أو الرئيس أو خصومة غير مبررة.

للأسف البعض من المؤسسات العلمية في الجنوب تعاملت مع بيت الأنباط بشكل ثأري، وكأن هناك خصومة، فجامعة الحسين اعتذرت عن تقديم باص صغير لنقل المشاركين في الملتقى بناء على كتاب الدعم الموجه للجامعة من قبل بيت الأنباط، في الوقت الذي كنا ننتظر منها دعما يليق باسمها، فهي المؤسسة الأكاديمية الوحيدة في محافظة معان. لكن للأسف يبدو أن البعض زيّن للجامعة الاعتذار الذي جاء في اتصال من إحدى السكرتيرات في الجامعة. هؤلاء وغيرهم يبدون غير مدركين أننا نستكمل أو نبني لبنة في المشروع الوطني، معززين بالرؤيا الملكية التي عقدت قبل أقل من شهر مؤتمر الحائزين على جوائز نوبل في البتراء.

أؤلئك المعتذرون غير قادرين على إدراك المعنى الحقيقي للجهد لذي يقوم به بيت الأنباط، انطلاقا من الإيمان بالأردن المنفتح على المعرفة، ومع ذلك يسر بيت الأنباط أن ينهي إلى من اعتذروا عن دعمه أنه نجح من دون حاجة لهم، فهذا هو حال المأزومين دوما، المُصرين على وضع العصي في الدواليب. أما إقليم البتراء ومفوضية العقبة فموقفهم سلبي لا يرقى إلى مجلس قروي حديث العهد.

حتما لا يمكن تفسير نجاح ما حصل في ملتقى أجيال علماء الاجتماع العرب إلا بسبب واحد، وهو الروح التي ينجز بها عمله وتفاني أبنائه والثقة التي بناها البيت مع المؤسسات العلمية والحكومة، فهو الحائز على جائزة الدولة في حقل العلوم الاجتماعية عام 2006، وما إصداراته العلمية الجادة إلا تأكيد على ذاك البعد العلمي في تكوين الهيئة، وجائزة جامعة الحسين للمؤسسات الرائدة في مجال العمل الاجتماعي.

في المحصلة، سيمضي بين الأنباط بأفكاره الطموحة ومشاريعه العلمية الجادة وبعده التنموي المحلي وصلاته العربية، من دون وجل، ولن يلتفت لمن حاولوا إحباط همته، فخلال المسيرة الطويلة من عمله تساقط الكثيرون ممن حاولوا التشكيك بعمله أو سعوا للنيل منه بشكل ثأري كما حصل معنا مع جامعة الحسين وغيرها. وما الشراكة مع المؤسسات العالمية مثل "أناليندا" للحوار الثقافي الأورو المتوسط، وعضوية الشبكة الأورو متوسيطة للمرأة للتنمية، وشبكة الإصلاح العربي، وتوقيع اتفاقية مع جامعة نابولي في ايطاليا لتبادل الخبرات العلمية المختلفة، إلا تأكيد على حصاد الثقة التي بناها بيت الأنباط مع الآخر، والتي طوت ثأر الخصوم أو مدعي المعرفة والوطنية.