أصوات متعددة

أصوات متعددة في مكان واحد

شرق الشمس غرب القمر

الروائي إبراهيم      " صحرائي الكبرى "

 " الصحراء أيضاً لم تتأخر    …    آوت خلقاً كثيراً، وانبتت له زروعاً وشجراً ونعماً أخرى، فأكلوا وتعارفوا وتكاثروا وفتشوا أيضاً اهتدوا إلى إيماءات الخفاء، وقوموا الأنام في الناموس    …    

في قيعان اليم نامت الأقوام التي سارت يوما علة الشطآن ورقدت آثار الأولين الذين أبدعـوا أنبل آيات العمران وشيدوا اجمل البنيـان وشقوا بين الديار الـدروب، وبصمـوا أحاضيض السبل بعجيب النقش ورسمـوا     الأرض بمنظومات الفسيفسـاء"


    الروائي البرتو مورافيا " بتراء اللامدينة :عاصمة سكان الكهف "

صحيح أن الأنباط كانوا من أصول عربية، لكن وفي عهد ازدهار البتراء كان الإسلام في رحم التاريخ، وبينما كانت الوثنية الموغلة بالقدم تحت حماية الحضارة اليونانية الرومانية، والمزينة لكل الوثنيات السابقة والمعاصرة والمستقبلية كانت أناقة وزينة الخزنة وبالتناقض مع واقع الوحدانية تكتسب معاني واسعة وساحرة من التدين الغامض.

إنها الخزنة، القلب النابض الساحر والخرافي لعاصمة الأنباط: الحيطان الصخرية تصعد إلى أعلى متحولة من كل الجهات مناديل زرقاء فاتحة. الخزنة مغموسة في ظلال باردة، حزينة، حلوة كتلك التي تلف أروقة الكنائس والمساجد.   


الروائي جمال أبو حمدان      " تجاذب اليقظة والحلم "   

وهنا راح الصخر يتفتت تحت سن إزميلي، فكففت عن القول، وما عدت قادرا على النقش، بعدها مر زمن اختلط فيه الصحو بالإغفاء، وبقيت بينهما متأرجحاً على حدٍ رهيف بين يقظة وحلم، وما عدت قادرا على تذكر ما نسيت ولا قادرا على نسيان ما اذكر، أنا الذي عبرت برزخاً ضيقاً ومعتماً ما بين ولادتي الأولى وموتي الأخير.

قالت : " لا تقل هذا "

قلت " لست أنا من أقوله، بل يقال عني، ولا فائدة من معاندة القدر فساندني كي اصل إلى تلك الصخرة في صدر الكهف وناولني إزميلي، فيدي واهنة " وما أن أخذت انقش في صدر الكهف الذي ننام فيه، ونصحو فيه، حتى بدا الصخر لدنا طيعاً، واستجاب لي بيسر، فنقشت عليه القلب الذي استعصى علي دائما.

وما أن أنهيت نقش القلب، حتى اخذ الأزميل يتفتت فقلت " ها إني أقفلت بهذا دائرة حياتي     " واستدرت إليها عائدا     إلى مرقدنا.

كانت البتراء في الخارج    …… وصارت البتراء في الداخل.                                                                

                                                              


جان-ماري لوكليزيو      " الكنز "   

 " أنـا أيضاً أسير نحو السرّ، ادخل غيمة الغبار ذاتها. قلبي يخفق بقوة وحلقي جاف لأني اعرف ما الذي سأراه انتظر هذه اللحظة، وها هي أمامي لكنها لا تزال مختبئة، ومع ذلك تحرق نظري. انتظر رؤيتها عند كل منعطف بين الصخر كأني أعاود السير على طريق سبق لي أن عبرته في الماضي البعيد، أسير كأني في حلم، أو في صفحات ذلك الكتاب الذي قرأته في مكتبة جدي في زيوريخ كان غلافه من الجلد الأحمر ويتحدث عن أماكن خرافية، دمشق، الكر ، الشوبك ، معان ، العقبة ، وهنالك صفحات تتحدث عن قرية إلجي ووادي موسى و السيق وعن هذا الشعب الذي يحمل اسما غريبا هو اللياثنه..

فجأة وجدتها الخزنة، الرقة ، الحنان، الطرفة، الخزنة فكرة افضل من فكرة إنها حلم يلون الغيوم : هكذا بدت له صباح الثاني والعشرين من شهر آب 1832م.


آن واد مينكوفسكي      " إيزيس في الصحراء"

" أطبقت أجفانها ، من تكون هي، إن كانت التواريخ تتكرر في كل مكان ، وكانت صفحات أشخاصها تتمازج الواحدة بالأخرى؟ وما يكون الانبعاث : أن كان لا نهاية لأي شيء ؟ لعل الأمر أن يكون شيئا آخر تواصلاً دائماً، واستئنافاً أبدياً.       

استأنفت سيرها ، دون وعي، بلغت المنعطف الأخير في وادي السيق؛ اتسعت الجدران الصخرية، كما لو أنها تصبح ممراً لوليد جديد يبحث عن مخرج يتيح له أن يغادر رحم الأمومية، ويتنشق الهواء الحر ويرى ضوء النهار.

شمس الصباح فيما وراء الظل، تشع ساطعة على الواجهة الوردية للخزنة، فوق عري إيزيس الساحر    …  


جبرا إبراهيم جبرا      " الموعد"  

" وهذا بعض ما حدث لي مع البتراء    …… تلك المدينة الصخرة العجيبة التي كانت قد راودت خيالي سنيناً طويلة، منذ رأيت في صباي رسوماً مذهلة لها. مشفوعة بقصيـدة لشاعر إنجليزي ، يصفهـا بأنها " المدينـة التي بلـون الــورد حمرتها / عمرها نصف عمر الدهور الغابرة.." كنت اعرف موقعها من الخريطة العربية، في جنوب الأردن ، ولكنني اشعر أنها على كوكب آخر، وتنتمي إلى وجود خيالي يتأمله المرء كما يتأمل الأسطورة لا تخوم لها - إلى أن أخذت تلح علي وتزيد من إلحاحها في الأشهر الأخيرة، بعد أن انقطعت الأكثر من سنتين من أسفاري المتلاحقة   …


   أدونيس

" هـل يكـونُ هرمُـس

إلا الكُتبَـة ذلـك الإلـه

النبطـي الغامـض.

أتكون الكتابة اشتقاقه الأول "


  ابن عربي

" كـل مكـان لا يؤنـث لا يعــول عليــه "


عمر بن معديكرب يصف سعد بن أبي وقاص     

" أعرابي في حبوته نبطي في جبوته هو عربي عَطّاء، نبطي حذقا ومهارة "


    ابن عباس  

" نحن معاشر قريش من النبط من أهـل كوثريـا "    


  العالم السويسري      " فيرنير فيسيكل "     

" لقد أنشأ الأنباط حضارة كونية    … هي تجسيد مصغر ومسبق للإمبراطورية الإسلامية "


الروائي الطاهر بن جلون    (عائده)     

" كان المكان خاليا تماما وبارداً وقف في الزاوية الأكثر ظلمة ، وضع رأسه بين يديه وبكى بصمت، كان الزوار يمرون لا يتنبهون لوجوده كان يؤلف جزءا من الحجر الأحمر، امتزج بالصخر، لم يعد هنا على الإطلاق دموعه ترشح مثل الرطوبة فوق الجدار، لك يكن يعلم انه سيبكي من الانفعال، يوماً، داخل ضريح الحارث الثالث الملك النبطي ، انه الشاهد المتأخر عن حب ضائع وعلى ولهٍ محطم، كان يفكر في شجاعة هؤلاء العرب البدو الذين نحتوا في الصخر علامات الأبدية، تلك الأبدية التي جعلت من ذكرهم سماء ثابتة، ولغزاً يتعذر الحصول عليه    …   "


نبيل نعوم البتراء 1991

" وقبل أن يلحقا بباقي الأصدقاء من حول المذبح العتيق في قمة " جبل المذبح "، المذبح الذي عنده ضحى القدماء حتى بالبشر من اجل المعبود، قالت له أنها أيضاً واثقة من رجوعه إلى محبوبته، لأن مثل هذا الحب القوي لا سبيل للاحتفاظ به إلا بالتضحية وذبح النفس الأنانية، و أما المذبح أمسكت بيده ثانية، وقد كست وجهها غلالة شفافة من التضرع والصفاء، وهمست إليه شبه مبتهلة إنها الآن مصممة على الإنجاب مهما كانت التضحية، وهكذا ، ومن حول مائدة القرابين الأثرية ، انتشروا.

كـأن يرى ما يود أن يراه من صخر في أشكـال، من بناة في أبعاد، من جبل من واد من أفكـار من تصورات من أحلام من رغبات ومن عودة إليه من ليس كمثلـه أحـد    … الحبيبـة "


عبد الوهاب المؤوب" البقعة البيضاء "

ما هي الأشكال الوردية التي تخفق وراء الشق في نهاية السيق ؟

ظهور مرتبك عند العطفة الأخيرة للمضيق المؤدي إلى مشهد فسيح هل هو فتح المسافة أمام الصوفي بعد إقامته في خرم ابرة ؟

حين تتسع الرؤية تضيق العبارة يقول النفري، رجل اليقظة والليل في مخاطباته الإلهية. ينهكه المطلق كما ينهك السراب التائه في الصحراء.

النفس متقطع. نشعر بالانبهار أمام أشهر صروح الموقع. لم يهدأ ذهولي إلا لاحقاً بعد زيارات عدة أثر مشاهدتي صورة المعبد / الضريح الواجهة العالية المنحوتة في الجبل توقظ إحساساً بالقرب يجعل الانتماء إليها غير مقرر. أن اصطدام الأمكنة والأزمنة يشوش المعالم ، فلا أعود اعرف ما إذ كنت بالإسكندرية أو آسيا الصغرى في بومبي أو هركولانوم، في العصر البطليموسي أو الاستهلاني هل أنا أمام رسم خداع أو مبنى حقيقي.                                            


  ( أدونيس    …   )

وانظروا إلى عربة افجر تنزل الشمس منها تخيلوا كيف كانت البتراء تنهض كل يوم تمسح جبين النهار وتسير لتكتب تاريخها في موكب من احصنة الضوء.

إنها الشمس تستيقظ عارية حتى من قميص نومها تنظر إلي من شقوق نافذتي فيما انهض، وتقول ناري اليوم سلام وبرد وكان النهار قد بداء يتسلق سلالم الحجر.

تحسست حنجرتي    –   هل سأقدر أن أقول ما لم اعرف أبدا كيف أقوله؟

صخور تنتقش كما يخطر للعين

 وجوها أعناقاً

أثداءً أردافاً

شموعاً قنادل وسائد أسرة مناديل

أضيفوا للعلوم علماً أخر    – كيف يلبس الحجر الغواية، كيف يشتهي ويشتهي فاتحا صدره باسطاً